الاثنين، 5 ديسمبر 2011

هكذا أصبحت مندسا ً .. السيف الدمشقي


في نقاش مع أحد المعارف حول ما يجري حاليا من حولنا من أحداث وعن تحوله بعد فترة طويلة ليقف إلى جانب الثورة .

قلت له : يقول المثل من لايرى من الغربال فهو أعمى والصحيح أنه ليس بالضرورة من يرى من الغربال مبصر وبالعامية (مفتح ) فبالأصل الإبصار ليس فقط رؤيا العين لأن العينين ترى فقط الأشياء الظاهرة أما المبصر فهو الذي يرى بعينيه ويدرك بعقله ويبصر بقلبه ومن لم يكن هكذا فكأنما يرى بعين واحدة أي لايرى بعد الأشياء عنه.


 قال لي: اسمح لي أن أبدي رأيي فأنا من جيل ولد مع مايسمى بالنكسة فولدنا منكوسين في مجتمع منكوس مليء بالشعارات القومية والدينية والعلمانية وحتى الإلحادية تربينا في مجتمع ذو فكر مفكك في البيت تتربى على الأخلاق والدين وفي المدرسة يشبعونك شعارات قومية علمانية مع تاريخ مشوه ليتناسب مع تلك الشعارات .

درسونا عن العثمانيين ( الأتراك) أنهم مستعمرون محتلون لبلداننا العربية , درسنا عن القومية والاشتراكية والشيوعية والرأسمالية درسنا عن حضارة الغرب وعن الشرق .

ولدنا لنرى مايسمى بإسرائيل موجودة في حياتنا تنغص علينا عيشنا وتستنزف حياتنا وأموالنا ودماءنا دون أن يكون لنا يد في وجودها لنتساءل كيف وجدت وكيف زرعت وكيف سمح آباؤنا وأجدادنا بوجودها وكيف لها أن تستمر طوال هذه الفترة لتكون الأقوى في كل شيء ضمن عالمنا ؟.

وهنا أؤيد ماجاء في مقدمة حديثك ..لقد كان آباؤنا وأجدادنا القريبين يرون بعين واحدة وورثنا هذا عنهم حتى أصبحت الأمة لاترى إلا بعين واحدة تحركنا عواطفنا وننسى عقولنا كيف لا ونحن كأمة ساهمنا بوجودها وفي خلقها( أقصد إسرائيل) ألم تسوق لنا فكرة القومية العربية لننتفض وننقض على الخلافة العثمانية بتوافق مع المصالح الغربية في تحطيم الامبراطورية العثمانية وبالنتيجة الخلافة العثمانية , في تلك الفترة كان الكثير ممن انتفض ضد ظلم الأتراك من العرب ذو نية حسنة أنا لاأشك ولكن كانوا كلهم ممن يرون بعين واحدة والدليل أن النتيجة كانت بالتأكيد ليست في مصلحة الأمة إنما لمصلحة أعداءها لقد تم إنهاء الخلافة الإسلامية تحت خطة أعدوها تحت عنوان ( قطع الرأس ليتآكل الجسد ) فصل تركيا عن عالمها الإسلامي وتحويلها إلى دولة علمانية تحارب الدين ,ثم تم تقسيم واحتلال الدول العربية والأهم من ذلك إعطاء اليهود أرضا ليقيموا دولتهم ابتداء من الوعد وحتى التأسيس.

واليوم وبعد أن بدأت تركيا تعود إلى واقعها الإسلامي وحققت نهضة تنموية شاملة وبدأت تتملص تدريجيا ً من العلمانية الرافضة والمعادية للإسلام فلا نريد اليوم أن نمر في نفس المرحلة من خلال مانشهده من خلال الثورات العربية أو مايسمى ( الربيع العربي ) مصطلح قد يشابه في مضمونه مصطلح ( القومية العربية ) في المرحلة السابقة.

 فأنا لم أكن ضد الثورات بالمطلق ولا أقول هذا لأنني أرضى بأن يبقى الظلم والفساد سيفا ً مصلطا ً على رقابنا ولكنني بالمقابل لا أحب ولا أرغب أن يأتي حفيدي في المستقبل ليقول لقد كنتم ترون بعين واحدة كما كان أجدادكم لقد أورثتمونا تركة ثقيلة أثقل مما حملتم.
لاأريد بل ظللت أخشى أن يتكرر نفس السيناريو الذي تم في بداية القرن العشرين الآن ونحن في القرن الواحد والعشرين .  

الثورات التي تجري حاليا بالتأكيد عنوانها وشعارها التحرر من الظلم والقهر والفساد وأن الكثير ممن يقوم ويشارك فيها هم من أصحاب النوايا الحسنة وحتى بعض المعارضين لها من أصحاب النوايا الحسنة على قلّتهم الآن أيضا فهم يعارضونها لأنها أفقدتهم التوازن والأمن والأمان ولو كان ذلك على حساب كرامتهم وعزتهم وحتى إنسانيتهم ولكنهم كلهم جميعا ً لايرون إلا بعين واحدة  .
لذا أيقنت أنه إذا كانت الشعوب هي من تقود الثورات علينا إذن أن لانسمح أن تتفلت منا ومن جيلنا القيادة حتى لايتم توجيه هذه الثورات إلى غير هدفها الحقيقي ولأننا نعلم علم اليقين أن الغرب ماكان ليقوم بتقديم أي مساعدة إلا إذا حقق مصالحه واستطاع احتواء هذه الثورات لذا علينا أن نكون واعين ولانسمح له بذلك .
نعم من حقنا أن نثور على الظلم والفساد والقتل ولكن آن لنا أن نتحكم بالزمان والمكان والأهداف .

لانريد أن نسمح لاسرائيل ولا للغرب ولا لأي كان أن يقول يوما ً أني أنا كنت وراء الثورات وهذا لن يحدث طالما أن الأهداف محددة وواضحة لدى الجميع .

إسرائيل تخشى الثورات العربية الآن لأنها تخشى فقط من انفلات الأمور من يدها أي أنها تتحسب للأمر لأنها تحسب حساب كل شيء هي تخشى من المستقبل أكثر من الحاضر ولهذا يجب أن يكون المستقبل في أيدينا لا في يدها.

نعم لقد حدث ماحدث وانطلقت الثورة في سوريا وكنا من قبل انطلاقها نراهن أنها لو انطلقت فلن تكون كبقية الثورات بل ستكون من أصعبها على الإطلاق وسيكون رد الفعل أقسى وأشرس من أي رد فعل آخر ولهذا كنا نخشاها وربما لا نريدها .
والغريب في الأمر أن السلطات في سوريا كانت تعد العدة لقمع المظاهرات فيما لو حدثت قبل انطلاق الشرارة بفترة ليست وجيزة وكانت تعرف أن شيئا ما في طريقه للحدوث على أرض الشام ومع ذلك لم تستطع الهروب منه بقدر الله وحكمته وليس بإرادة أحد من البشر وهذا أصبح يقيني.

بعد كل هذا وبعدما وصلنا اليوم إلى نقطة وضعنا فيها أمام خيارين :
 إما أن ننضم إلى هذه الثورة في رفضنا للظلم والقهر والفساد على حكام استغلونا واستغلوا مشاعرنا المعادية لاسرائيل ووجودها فسلبونا أموالنا وحياتنا تحت هذه الذريعة وحتى لو كنا بذلك في خندق واحد مع من أيد هذه الثورة من الدول ذات المصالح في منطقتنا,
 وإما أن نبقى خانعين مستكينين مفضلين البقاء على الظلم والقهر والفساد في مقابل الأمن المزعوم  وهنا أقول وبصراحة تامة لقد سقطت كل الأقنعة عن هذا الحكم الجائر الظالم المجرم ولا أدري أي صفة يمكن أن تفيه حقه فهو جمع كل الصفات الخسيسة في هذه الدنيا .
فما وجدنا منه في ظل مايحدث إلا ادعاءات وأكاذيب وأباطيل ولا أدري كيف نقف مع حاكم يساومنا بين بقاءه قابعا ً على صدورنا وبين الأمن والأمان بمفهومه هو فإما أن أبقى أو لاأبقي لكم لا أمنا ًولا أمانا ًولامالا ًولا حياة .

كيف أرضى بحكم كهذا كيف نستمر معه وقد سقطت عنه كل أقنعته من عدائه لاسرائيل وممانعته المزعومة ومن وعوده الاصلاحية ومن استغلاله للطائفية ومن قتله وتعذيبه وتشريده الناس بدون تفريق بين مذنب وغير مذنب واستخدامه لكل الأساليب الوضيعة في قمع الناس والمظاهرات بدون حفظ لأية حرمة دينية أو إنسانية.

إن حكما ًخان شعبه وقتله وشرده وروعه وأكل ماله وسلبه أمنه وخدعه لايمكن أن يكون له أي شرعية لا في الدين ولا الدنيا وإن التقت مصلحة إزالته مع أمريكا أو غيرها ,المهم أن نتنبه للقادم حتى لانقع فيما وقع فيه آباؤنا من النظر بعين واحدة للأمور وإني لا أرى في هذا الحكم إن بقي إلا الجيش الذي يغزو الكعبة فهل عندها سنكون مضطرين مذلولين أن نكون جنوده ويومها ستكون مصلحته ومصلحة الغرب واحدة.

لا يمكنني اليوم وبعد كل هذا أن أقف متفرجا ًعلى إخوتي يقتلون بدون ذنب وينكل بهم ويروعون وتهدم بيوتهم ومساجدهم ويمنعون من إقامة الصلوات لايمكن إلا أن أكون مدافعا عن الحق الذي سلب منا ومنهم وعن الأمن الذي سلبوه في سبيل الحفاظ على كراسيهم لا لا يمكن بعد كل هذا أن أكون محايدا ًولا أن أرفض الانضمام إلى الثورة ضد هكذا نظام .
فإذا قال أحد المسؤولين الأمريكيين قبل أيام لايهم من يصل إلى المجلس النيابي ولكن المهم من يحكم .
فإن كان المهم الآن هو أن نتوحد جميعا ضد هذا النظام الفاجر لكن علينا أن ننظر بكلتا العينين من أن القادم هو الأصعب والأخطر فأعداؤنا يريدون هذه الثورة لأهدافهم ولو قدموا لنا بعض المساعدة وهذا بالتأكيد ليس في مصلحتنا فيجب أن تكون عيننا على من سيحكم وكيف سيحكم لقد كنت دائما ً أردد لا أقبل أن تتدخل أمريكا أو الغرب أو حتى الدول العربية في شؤوننا ولهذا كنت أؤيد هذا النظام ويبدو أني أفقت من غفوة وسكرة كنت منتشيا ً بها وكان سببها اقتناعي بما يروجه هذا النظام الخبيث لقد أرعبني كلام النبي صلى الله عليه وسلم ( المرء يحشر مع من أحب ) ومع أني لا أحبهم ولكني خشيت على نفسي من ماضي الأيام أن أحسب منهم وهكذا كان تحولي وهكذا أصبحت مندسا ً.
قلت له : أهلاً بك في عالم المندسين لقد نلت شرفا ًفمن وقف إلى جانب الحق لن يضيعه الله والله ناصرنا لأنا على الحق .

بقلم السيف الدمشقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

للتعليق