كلنا سمع عن ورقة التوت وهي كناية
عن الشخص الذي أسقط كل الحياء وبقي يغطي عورته بهذه الورقة فإذا سقطت أسقط معها كل
أخلاقه وانفضحت سوءته وهذا حالنا مع كل من الجامعة العربية والنظام , لكن السؤال
هو من أسقط الورقة قبل الآخر ؟
بالتأكيد كلنا يعرف هذا النظام
الذي أسقط ورقة التوت عنه منذ بدء الثورة وتبدو سوءته أكثر وضوحاً وجلاءً في كل
يمر يوم من عمر الثورة ولكن لماذا قَبِل ببنود المبادرة العربية ولماذا وافقت
الجامعة على هكذا مبادرة مفصلة على حسب رغباته وهي تعرف تماماً أنه لن يلتزم بها ؟
وهنا وإن كنا لانتأمل خيراً من
الجامعة العربية ولا من مبادرتها ونحن بالأصل لانعوِّل عليها ولكن إذا سألت
البسطاء منّا يجيب نتابعها من باب المثل القائل كلب يعوي معك أحسن من كلب يعوي
عليك .
والمشكلة الأساسية تكمن في فهمنا كأفراد
وكمجتمع وحتى كنخبة بما يسمى السياسة ودهاليزها فإن قيل عن السياسة أنها فن الممكن
فأنا أقول إنها فن اللامعقول فلقد أصبحت السياسة في عصرنا الحالي ( عصر مايسمى
التطور العلمي ) هي فن الكذب والمراوغة والدجل واللف والدوران والمحاباة والتهديد والتقدم
والتراجع وصولاً إلى المصالح المشتركة وهذا الفن بهذا المفهوم لايتقنه وقد لايفهمه
الشخص البسيط ذو الفطرة السليمة ولا أصحاب الأخلاق وباختصار شديد .. السياسة
الحديثة : هي ان تلطم شخصاً بيدك على وجهه ثم تقنع العالم جميعاً أن خده هو الذي
اعتدى على يدك.
وللحقيقة نقول إن لدينا نظاماً
يتقن هذه اللعبة وهذا الفن ولهذا قلناها سابقاً إن قبوله لبنود المبادرة العربية
ماهي إلا محاولة كاذبة منه لكسب الوقت وإعادة
ترتيب أوراقه وخلط أوراق المعارضة لشق الصف في الداخل والخارج علّه يكسب الوقت
وبالتالي المعركة وبالمقابل فإن الجامعة العربية ومَن وراءها مِن الأنظمة , لها
مصالحها التي تتطلب منها الصبرعلى هذا النظام ولو على حساب الدماء التي تهراق كل
يوم في سبيل الوصول إلى مصالحها والمرتبطة بشكل فعال أيضا ًبالسياسة الدولية تجاه
هذا النظام بشكل خاص ومنطقتنا العربية بشكل عام.
فما معنى صبر العالم كله بما فيهم
الجامعة العربية على النظام في ذبحه شعبه كل يوم ولماذا يدعمونه إلى هذه الدرجة
ولماذا كل هذه المماطلة والقبول بإعطاءه المهل رغم قناعتهم الأكيدة بكذبه وكلنا
يعلم أنهم لو أرادوا إسقاطه لأسقطوه خلال أقل من أربع وعشرين ساعة وهو قد بلغ
مابلغ من الضعف وإجماع كل المحللين على حتمية سقوطه.. نعم إنها السياسة العصرية
وصولاً إلى المصلحة المرجوة من قبلهم.
وهنا أحب أن أنوه من أن كل ما
أقوله هو تحليل شخصي ولايدخل في مضمونه قبولي أو رفضي للتدخل الخارجي أياً كان
عربي أو دولي لأنه ليس هذا مجال الحديث عنه في هذا المقام.
فالسياسة الحديثة تقتضي المثل
القائل - إن لم يكن ماتريد فأرد مايكون – لايهم عدد الضحايا ولا الشهداء ولا
الخراب ولا الدمار المهم الوصول إلى المصلحة فما هي مصلحة الغرب ومن وراءهم
الجامعة العربية في استمرار الأمر على هذا النحو.
المصلحة تكمن في الأمور التالية :
1-ضمان أمن إسرائيل وإعطاءها الوقت
لإعادة ترتيب أمورها على المستجدات الحديثة والتي يمكن أن تطرأ حال سقوط النظام
وكلنا سمع عن السياج الالكتروني بارتفاع 8 م الذي تسابق اسرائيل الزمن لإتمامه في
الجولان السوري المحتل على الحدود مع العلم أن هذا الأمر مخالف لاتفاقية وقف إطلاق
النار بعد حرب 1973 م وخصوصاً بعد تهديد النظام باستخدام هذه الورقة في حال لم يلق
الدعم لبقائه.
2-عدم وجود جهة واحدة تجمع جميع أطياف
المعارضة السورية ككل والتي فوجئت كما فوجئ الجميع باندلاع هذه الثورة فلم تكن
جاهزة ولا معدة مسبقاً لمثل هذا الأمر وبالتالي هم بحاجة للوقت لاتمام عملية الجمع
والتوحيد والتي يمكن بعدها للحكومات العربية والغربية التفاوض معها ومن ثم
الاعتراف بها.
3-إضعاف إيران التي وإن كانت خير عون
للغرب وأمريكا وإسرائيل في ضرب أفغانستان والعراق لكنها أصبح من اللازم تحجيمها
وإضعافها وقبل مهاجمتها يجب كسر الجبهة الخلفية في سوريا ولبنان وهذه مصلحة للغرب
ولدول الخليج العربي والسرعة في هذا الأمر غير مهمة لجميع الأطراف .
4-لابد من إرضاء الصين فالصين ليست لها
مصالح عسكرية في المنطقة ولكنها تبحث عن مصالحها الاقتصادية بالإضافة إلى تخوفها
من تكوين جبهة قوية موالية للغرب في مواجهتها مستقبلاً.
5-روسيا لديها القاعدة الوحيدة على
المتوسط في سوريا والمنفذ الوحيد لها فلابد من أن تضمن وجودها وبقاءها وعليه فإنها
ستبقى تعارض حتى تكتمل هيكلية السلطة البديلة التي تعطيها الضمانات اللازمة وبدأت
فعلياً بالاجتماع بالمعارضة سابقاً وقد قرأت عن استقبال وزير الخارجية الروسي لوفد
المجلس الوطني خلال أيام وهذا تطور لافت على هذا المستوى.
6-عدم السماح لتركيا بالانفراد بحل
المسألة السورية علماً بأن هناك قبول بتدخل تركيا من عدد من أطياف المعارضة في
الخارج وثوار الداخل دون تحفظات .
7-لن تقبل الدول الغربية والولايات
المتحدة معها بالسقوط السريع للنظام لخصوصيته وحساسيته وتقوم باستخدام أسلوب المساهمة
بالقتل بالسم البطيء عن طريق العقوبات السياسية والاقتصادية وغيرها وهذا برأيي
يهدف إلى ثلاثة أمور :
· الأول كسب الوقت لتحقيق الهدفين
السابقين
· والثاني هو إضعاف وإنهاك البلد بشكل
كامل فالوقت المعطى للنظام يعطيه الفرصة للدفاع عن وجوده فيساهم أيضاً في تدمير
وإنهاك البلد
· والثالث خفض التكاليف ولو على حساب
دماء السوريين .
هذا الأمر يساعد
أيضاً في مسألتين :
الأولى : أن أي جهة سوف تتولى زمام
الأمور بعد سقوط النظام ستكون ضعيفة ومن أولى أولوياتها إعادة البناء وبحاجة إلى
دعمها ومساندتها وبالتالي يمكن السيطرة
عليها وحرف مسارها حسب مصالحهم .
والثانية : عدم وجود دولة قوية على
حدود اسرائيل وبالتالي الإمكانية الكبيرة لوضع الأفخاخ خلال مرحلة البناء كما يحدث
في مصر الآن.
وبالتأكيد
الجامعة العربية والغرب لم يصبهم الرعب من الزلازل ولا البراكين التي هددوا بها وإذا
كنا نستطيع اليوم رصد الزلازل والبراكين الطبيعية واكتشافها قبل حدوثها لاتخاذ
مايلزم من إجراءات للتخفيف والحد من آثارها فما بالك بالزلازل والبراكين السياسية
إذن لماذا اللف والدوران والجميع يعرف أن الخط المستقيم بين نقطتين هو أقصر الخطوط
فمصلحة الجميع تقتضي إطالة الوقت.
وما معنى
تصريح أمريكا للسوريين ردا ًعلى العفو الأخيرالذي أقرته وزارة الداخلية ونصحها للسوريين بعدم تسليم الأسلحة وأنفسهم
للسلطات السورية وأقل سوري فهماً وذكاء لايصدق كلام السلطات السورية ناهيك عن غباء
القرار نفسه فلماذا تحشر أمريكا نفسها في هذا الأمر إذن ؟ والجواب واحد وهو مافعلته
أمريكا وسفيرها دائما خلال الأزمة في محاولة لإعطاء المبرر للنظام لاتهام الثورة
والثوار بالمؤامرة المدعومة من الخارج للإطالة في عمر النظام .
· فمباشرة ومن وراء هذا التصريح تم اتهام
النظام للولايات المتحدة بمشاركتها الفاعلة في دعم العصابات المسلحة في سوريا مع
أن الأمر لايعدو تصريحاً لاأكثر وتم طرح هذا الأمر في رسالة وليد المعلم للجامعة
العربية .
· وعندما زار السفير الأمريكي حماة اتُّهم
الثوار والثورة بالدعم الخارجي والتآمر مع أمريكا على البلد .
· عندما زار السفير الأمريكي حسن عبد
العظيم رشق بالبندورة واتُّهم بدعم ما يسمى المعارضة الداخلية المتآمرة على البلد
ثم يسمح النظام يوم أمس لنفس الشخص المتآمر بالسفر والحديث إلى أمين الجامعة
العربية متحدثا باسم المعارضة الداخلية .
· يقوم السفير الأمريكي بالذهاب إلى
منطقة الميدان بدمشق يوم الجمعة وهي من المناطق الساخنة والتي تخرج منها المظاهرات
بشكل متكرر ودائم ليُهاجم هناك ويرشق بالبيض ويقال عنه إنه ذهب لتأجيج الاحتجاجات
هناك ثم يغادر سوريا حفاظاً على أمنه .
وهنا أريد أن أوضح التناغم بين هذه
التصرفات للولايات المتحدة الأمريكية واستغلال النظام لها فالسفير الأمريكي الثعلب
ورجل الاستخبارات كان يستطلع الأمر على الأرض بشكل يخدم مصلحة بلاده والمتناغمة مع
مصلحة النظام .
نعم هذه هي السياسة وهذه دهاليزها فإن
كانت ثورتنا خالصة لله وهي كذلك إن شاء الله ونؤمن بكلامه عزوجل ( يمكرون ويمكر
الله والله خير الماكرين ) فإنه لايمنع أن نكون كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم
المؤمن كيّسٌ فَطِن وأن نكون كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لست بالخِبِّ
ولا الخِبُّ يخدعني.
ولئن اجتمعت مصلحتهم على حساب دماءنا
فإن مصلحتنا تبقى بين قوتين قوة الشعب وإيمانه القوي على الأرض وبين قوة الله
الواحد القهار الذي لايعجزه مكر ولا قوة في الأرض ولا في السماء .
لنا الله .....لنا الله
بقلم : السيف الدمشقي