دخل أحدهم إلى الحمام بملابسه القذرة التي لم يبدلها منذ عشرات السنوات لأنه ببساطة لم يكن مسموح له أن يستحم ، ولكم أن تتخيلوا حالته المذرية ، وبعد أن حاول إزالة ملابسه الملتصقة بجلده نجح بصعوبة بالغة في خلع ملابسه الخارجية ومن ثم الداخلية ونحَّاها جانباً بعناية فائقة بالقرب منه وهي تحمل بين طياتها قطع من جلده وأثار واضحة لدمائه التي نزفت منه عبر السنوات الماضية وكذلك أثناء محاولته نزع ملابسه ، ورغم إستمرار النزف دخل تحت الماء وهو يتألم من ملامسته لجلده وللتقرحات الشديدة وكأنه في مخاض ، وخرج من الحمام عارياً دون أن يلقي بالاً للمناشف ليجد أمامه تشكيلة لا بأس بها من الألبسة الداخلية والخارجية ، نظر بعينيه متسمراً حائراً مدهوشاً ، ثم بدأ يضحك تارة ويبكي فتدمع عيناه تارة ، فيصرخ ويقفز من على الأرض تارة أخرى فرحاً بما أتاه ربه من نعمة بعد أن حُرم منها لسنواتٍ طوال وبدأ يلمس تلك الثياب بأنامله ويشم عبير النظافة فيها ولاحظ وجود قليلٍ من الغبار على بعض منها لم يكترث له .
ثم بدأ يحاول أن يختار وهو محتار ترى ما الذي يناسبني ؟ وبقي على هذه الحال عارياً يقف في منتصف الغرفة يدور حول نفسه حتى جفَّ الماء من على جسمه ، وبدأ يقترب من الثياب فوجد ألبسة أصغر من مقاسه وأخرى أكبر من مقاسه وبعضها ملون بألوان لم تعجبه وأخرى موديلاتها غريبة ومتناقضة ، بين شرعية طويلة وشاذة خفيفة ومضى الوقت وهو عارٍ تماماً لا يعرف ولا يدري كيف يختار وهو يفكر ويفكر ويحدث نفسه وكلما حاول أن يستقر رأيه على شيء ليرتديه فيستر به عوراته وتقرحات جسده جنَّبَهُ بعيداً مدعياً عيباً يراه فيه بعينيه ، ولم يعط نفسه فرصة على أقل تقدير حتى أن يجرب ارتداء أحدها عسى أن يناسب مقاسه ، فأيقن أنه لا يناسبه الملون ولا الضيق ولا الواسع ولا الشرعي ولا الفاضح حتى ناداه صوتٌ من داخل رأسه وبدأ يناقشه : مالك ومال الجديد فكلهم سواء لا يناسبوك ، ثم أنه سيضحك عليك الناس إذا أنت لبست أي من هذه الملابس ، ورغم نظافة جسده التي أصبح فيها اتخذ قراره بأن يرتدي ملابسه القديمة بقذارتها وما فيها من نتن فهي على مقاسه تماماً ويعرفها جيداً وتعرفه فعاد إلى الحمام وبدأ فعلا ً بإعادة لصقها على بدنه .
نعم عاد إلى القذارة فهي أرحم وأفضل بالنسبة له من شيء جديد شك فيه ولم يعتد عليه ولم يجربه من قبل ( واللي بتعرفه أحسن من اللي بتتعرف عليه ) مثل قد عشش في أدمغة بعض من تعودوا وأدمنوا الكبت والقمع والتغييب منذ أن ولدوا فأردتهم في غياهب الجهل الفكري والجهل السياسي فانتقلت القذارة من أبدانهم وثيابهم إلى عقولهم .
أشعر بالحزن لما يعيشه البعض من تقسيم واضح و من طريقة تفكيرهم المحصورة مع تجاهل واضح للفاتورة التي دُفعت بالدم من أجل مستقبلٍ يضيعونه بنفس الغباء المعهود هذه قصة ما يحصل من حولنا وذلك حينما يصمم البعض على اختيار شخصيات سياسية كانت تعمل في ظل النظام القديم وكأنك يابو زيد ما غزيت .
فمارأيكم دام فضلكم
بقلم : محمد فؤاد
ملاحظة هامة : نرجو أن لاتنتقل هذه المصيبة إلينا في سوريا بعد سقوط النظام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
للتعليق