الثلاثاء، 27 مارس 2012

ثورة تؤججها سلطة مُثار عليها .. سونيا عزام


ثورة ثؤججها سلطة مُثار عليها ... بقلم: سونيا عزام
شارك

ما من ثورة قامت عبر التاريخ إلا كان لها أسباب نشوء تبدأ من الاقتصاد وتنتهي بطلب الحرية ,مروراً بالظلم والفساد والاستبداد والتمايز الطبقي, التي مارستها أنظمة الحكم المطلق بصلاحيات واسعة للطبقة الحاكمة ورجالاتها.ولكن لم تشهد ثورة عبر التاريخ اشتعالاً وتأجيجاً من قبل الحكم المُثار عليه كما هو في حالة الثورة السورية.
من الثابت أن أسباب قيام تلك الثورة تتشابه مع مثيلاتها في التاريخ البعيد والتاريخ القريب. منذ أن ألهم مقاتل الحرية سبارتاكوس العبيد ليتحرروا من عبوديتهم لقيصر روما. ومنذ أن صرخ ميرابو في وجه مبعوث الملك لويس السادس عشر قائلاً : اذهب وقل لمن أرسلك إننا سوف لن نخرج من هنا ( يقصد من صالة الجوديوم ) إلا على أسنة الحراب... طالبين العدالة والمساواة والعيش الكريم.
لكن الثورة السورية بدأت متواضعة المطالب قياساً على ما حملته الثورات الأخرى من مطالب في التغيير. لأنها سعت في بدايتها إلى رد المظالم وإعادة الاعتبار لكرامات السوريين المهدورة في محافظة درعا عبر محاسبة منتهكيها الذين حاولوا تحطيم كبرياء المواطن السوري بدافع قوة النفوذ الأمني المتجذر على حساب المواطنة والقانون. وكان إهمال تنفيذ تلك المطالب من قبل السلطة أولى خطوات التأجيج للثورة السورية والتي زاد في اشتعالها شرارات أدت للوصول إلى ما نحن فيه الآن 
لقد نفخت السلطة في هذا الأوار المشتعل فزادته اشتعالاً وجعلت منه جحيماً عبر أخطاء قاتلة ساهمت في إزكاء جذوة تلك الشعلة بدلاً من المساعدة في إخمادها والحفاظ على الوطن والشعب بقليل من الحكمة والتفهم 
أولى شرارات التأجيج كانت في زج ما يسمى بالشبيحة في قمع المظاهرات السلمية بدلاً من قوات حفظ النظام.فالشبيح بطبيعة الحال ليس له أي صفة رسمية تنضوي تحت مسمى الأمن أو الشرطة أو الجيش.
فهو عبارة عن فرد مدني أعطي الحق في القمع والتنكيل والقتل ويكافأ على تنفيذهم, في الوقت الذي يُعتبر الفرد المدني المقابل والذي يتعرض لهمجية هذا الشبيح إرهابياً ومخرباً وخارجاً عن القانون.فترى على الشاشات الرسمية الوطنية المئات من المدنيين الإرهابيين ,دون أن ترى أي محاسبة أو تحقيق في خطأ ارتكبه شبيح لا يمتلك من سلطة القمع أي صفة رسمية. وقد سبب هذا إشعال الحقد في القلوب وتأجيج نيران الانتقام عبر التظاهر وغير التظاهر مما يمكن أن يخمد نار الحقد 
ثاني تلك الشرارات كانت الإعلام الفاشل بكل ما للكلمة من معنى. حيث حرص هذا الإعلام على التمادي في الإنكار والكذب وتدعيم حالة الاصطفاف بين مكونات الشعب السوري,فأصبح إعلاماً لمكون واحد داعم للسلطة بدل أن يكون إعلاماً وطنياً ينقل كل وجهات النظر والآراء حتى تلك التي تشير إلى أخطاء السلطة في تعاطيها مع الثورة السورية ومكوناتها. ومازاد الطين بلة هو تحول الإعلام الرسمي من دوره في المصارحة والمكاشفة ونقل الوقائع على حقيقتها إلى آلة لا هم لها سوى القيام بالرد على الإعلام المغرض دون الولوج في أصول الأزمة وطريقة حلها, معتمد في ذلك على بضع ممن يسمون أنفسهم بالمحللين السياسيين والكتاب المرموقين, والذين هم في الواقع لم يقرؤوا كتاباً أو يكتبوا موضوعاً طوال تاريخهم الطويل في اللاتحليل واللاكتابة. وقد أدى ذلك أيضاً إلى تجييش النفوس وتسعير النيران المعتملة داخلها من خلال تكذيب الإعلام الرسمي للواقع المرئي على الأرض.
ثالث تلك الشرارات وأكثرها إثارة لتأجيج نار الثورة هو التباين الكبير بين المقررات الإصلاحية التي تعلنها السلطة بين حين وآخر وبين التطبيق على أرض الواقع. فمنذ إلغاء قانون الطوارئ وحتى العمل بالدستور الجديد مروراً بقانون الأحزاب والانتخابات والإعلام, وعلى الرغم من أن تلك القوانين الإصلاحية كانت حبلى بالثغرات, إلا أن أياً مما ورد في بنودها لم يُطبق,فالقتل بقي مستمراً والإعلام بقي قاصراً والأحزاب الجديدة بقيت شكلية ليس لها وجود حتى أننا لم نسمع عن حزب واحد من الأحزاب الثمانية أو التسعة أو العشرة المشكلة قال لفظة (لا) أو انتقد قانون أو اعترض على سلوك للسلطة, مما يدل على استمرار نهج الجبهة الوطنية التقدمية والتبعية الحزبية. ناهيك عن إعلان العمل بدستور جديد دون العمل ببنوده, مما أدى إلى عدم وجود أي ثقة بما تعلنه السلطة وما تطبقه خلافاً لإعلانها,فكان لابد من إكمال مسيرة الثورة لتحقيق المطالب بشكل حقيقي وليس صوري.
رابع تلك الشرارات كانت غياب القيم الإنسانية لدى السلطة وعدم احترام معاني الشهادة والموت والتفريق بينها على أساس مدني أو عسكري. فترى الجنازات الضخمة تقام للعسكريين ولا يتم أي ذكر لاستشهاد عناصر مدنية حتى ولو كان ذلك على يد العصابات الإرهابية المسلحة. وعندما تعلن السلطة عن استشهاد كذا عدد من المدنيين على يد العصابات المسلحة فإنها تتجاهل إعلان الحداد الرسمي لثلاثة أيام أو حتى يوم واحد على أرواحهم, أوأرواح العسكريين الذين يستشهدون على يد تلك العصابات المسلحة. وعلى العكس من ذلك تقام الاحتفالات في الساحات العامة وحلقات الدبكة والغناء وكأن الشهداء هم في قارة أخرى أو في القطب الجنوبي. وبناء عليه فكيف يتسنى لأهالي الشهداء أن يتقبلوا تلك المظاهر دون أن يوغر صدورهم الألم والأسى فلا يرون بداً من التظاهر والتعبير عن رفضهم لهذا السلوك المشين بحق أبنائهم الشهداء؟
خامس تلك الشرارات كانت في قضية التدخل الخارجي وعدمه. ففي الوقت الذي حرصت فيه السلطة حرصاً كاملاً على رفض التدخل الخارجي في الشؤون السورية,وتجنيدها لكل وسائل إعلامها في سبيل تلك القضية,واتهامها لأطياف المعارضة المختلفة بسعيها لاستجرار التدخل الغربي في سوريا.كانت لا تأبه للتدخل الروسي والصيني والإيراني في الأزمة السورية بل تعتبر هذا التدخل أمراً مشروعاً وإقامة حفلات النصر بهذا التدخل ورفع أعلام تلك الدول والأحزاب واجباً قومياً,دون أي اعتبار لدور سوريا الإقليمي خارج نزاعات المصالح الدولية والإقليمية. ودون أي اعتبار لتحول سوريا إلى ساحة مواجهة تعبث بها مصالح الروس والأمريكان والأتراك والإيرانيين. كل هذا أدى إلى تصادم داخلي بين الأطياف زاد في التفرقة التي دعمتها السلطة عبر رضاها في تدخل دول طالما تدعمها وتدعم نهجها القمعي.
كل تلك الشرارات ساهمت مساهمة كبرى في تأجيج نار الثورة وسعيرها حتى غدت ثورة ممتدة من أصغر قرية إلى أكبر مدينة,ثورة قامت ضد الفساد ولإحقاق العدل وقيام دولة القانون.إلا أن ما وسعها وجعلها جحيماً متقداً لا ينطفئ هو هذا الدعم لها والذي قدمته السلطة على صحن من ذهب فكانت ثورة تستمد 

نقلاً عن موقع سيريا نيوز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

للتعليق