هذا ماقسمه الله
لنا من بيض ! ربنا على الظالم !
عندما نقرأ في التاريخ عن ثورات الشعوب ضد حكامها نجدها متشابهة في أسبابها وبدايتها ونهايتها ويعود ذلك إلى أن الثورات لا تقوم حتى يصل الفسادإلى حد أرنبة الأنف .ونادرة هي الثورات التي حققت كامل أهدافها ، و
للأسف فإن معظم الثورات حققت نسب متفاوتة في بلوغ أهدافها .
لماذا لا تحقق الثورات كامل أهدافها ؟
وكيف يتم نشر الفساد بهذا الكم والنوع ؟
يخرج الجميع ضد الحاكم وأسرته وبطانته وأتباعه وهو ما يسمى هذه الأيام "النظام " وعليه تخرج الناس الثائرة إلى
الشوارع
والميادين بسلمية تهتف " الشعب يريد إسقاط النظام "
وينجح الثائرون بإسقاط رأس النظام المتمثل بالطاغية ولكن لايتمكنون من إسقاط قلب وجسد وفكر النظام نفسه
والمتمثل بأعوان النظام الظالم ، أياديه وأصابعه وآذانه وعيونه وألسنته والفكر والقلب والجسد , هؤلاء هم الطغاة الحقيقيون وبقاؤهم هو الأخطر .
لأنهم هم الذين اعتقلوا وعذبوا وسرقوا وأهانوا واغتالوا وتجسسوا وأعانوا الرأس على الإدارة
والهيمنة والتسلط
قال الله تعالى "إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين " فالطاغية لا يكون طاغية ولايَنْفَذَ فساده وظلمه وجبروته إلابمساعدة فلكل طاغية عملاء مصالح ومنافع يحرصون على إستدامتها فيعينونه في سطوته لقهر الشعوب وإفساد البلاد ويزينون
للحاكم أعمالهم القبيحة
على أنها تصب في مصلحته ويرتبون له أموره حتى يصبح مؤلهاً معظماً ويصدرونه للرعية على أنه الراعي وحامي الحمى والمحافظ الأمين على الشؤون عامة حتى تتم سرقة العامة دون اعتراض فتُسلب الحقوق أمام العيون دون أن ينطق أحد .
فعجباً كيف سنقاوم الطامع الغازي الخارجي ونحن نعاني من الفساد الداخلي الذي يتعاظم ويستشري .
والأمثلة كثيرة فعلى سبيل المثال لا الحصر تقوم الثورة الشعبية في رومانيا ويساندها جيش وبطانة الطاغية تشاوشيسكو حتى نجحوا في الإطاحة برأس النظام وأحد أشهر طواغيت العصر الحديث فجاء نائبه الذي تصنَّع الصلاح والإصلاح في مسرحية
انتخابات واستطاع أن يخدع الأغلبية من العامة حتى إذا صار حاكماً بدأ بتصفية قيادات ورموز الثوار واحداً تلو الأخر حتى بسط نفوذه وأعادالحكم الشمولي والدولة البوليسية وأعاد كل
أعضاء حزب تشاوشيسكو وحكم رومانيا 23 عاماً بالحديد والنار من جديد حتى أصبحت بوخارست من
أفقر عواصم أوروبا وخارج عضوية الاتحاد الأوروبي وفيها مافيها من سمعة سيئة .
أما عن طريقة نشر الفساد في المجتمعات فيحضرني قصة كنت قد قرأتها يوماً عن
سياسة البيض المسروق حيث أشار وزير داهية على أحد ملوك القرون الوسطى باتباع سياسة البيض المسروق ليتمكن من إحكام قبضته بحكم البلاد كيفمايشاء هواه .
نادى أعوان الحاكم في الناس أن الحاكم يريد من كل رب أسرة خمسة بيضات من أي حجم و نوع.... فقام الناس بجمع البيض
والذهاب به إلى قصر الحاكم..
وبعد يومين نادى المنادي أن يذهب كل رجل ليسترد ما قدمه من البيض.. فاستجاب الناس وذهب كل منهم لأخذ بيضاته... الوزير والملك وحاشيتهم وقفوا وهم يتابعون الناس أثناء أخذ البيض.. ترى ما الذي رأوه؟
وجدوا أن كل واحد وقف لتمتد يده ليأخذ البيضة الكبيرة والتي ربما
ليست له ولاتخصه وليست من حقه !!!
هنا وقف الوزير ليعلن للملك أنه الآن فقط يستطيع أن يفعل بهم ما أراد.. فقد أخذ الكثير منهم حاجة أخيه
وأكل معظمهم حراما، ونظر كل منهم لما في يد الآخر ولن يتجمعوا بعدها أبداً.
وعندما مر الزمن وقامت فئة واعية تبصر ما فعله الملك بشعبه أخذوا
يثورون ويطالبون بحق الشعب في الحياة الطيبة، فطلب الملك من الوزير أن يشير عليه ،
الذي بدوره أشار عليه بضرورة استخدام سياسة
العمليات الحسابية : الجمع والطرح والضرب والقسمة في تعامله مع الناس عامة والفئة
التي تطالب بحقوقها وحقوق الوطن خاصة .
فقال الحاكم ...كيف؟ أشار الوزير الداهية بأن يبدأ بعملية الجمع..
فيجمع ما استطاع من رؤوسهم حوله بحيث يتقلدون المناصب ويأخذون الأموال والأوسمة فينسون
القضية بعد أن يكسر الملك عيونهم بفضله ومنته عليهم.
أما الفئة التي تظل على موقفها حكماً هم قلة فيلجأ الحاكم للطرح.. فيطرحهم أرضا بتلفيق القضايا واستخدام نقطة الضعف في كل واحد منهم شرط أن تكون كل القضايا بعيدة عن خلافهم مع الملك.. أي يكون التدبير محكما ونظيفا .، وبذلك يتوارون عن الأنظار إما خجلا أو خلف غياهب السجون،
أما من تبقى وهم قلة القلة فإذا خرجوا يهتفون وينددون فالرأي أن يلجأ للعلامة الثالثة من العلامات الحسابية وهي الضرب..فضربُهم وسحلُهم والتنكيلُ بهم في الطرقات سوف يخيف الباقين من تكرارها .
هنا تساءل الحاكم: ترى ما الذي سيكون عليه حال الشعب بعد ذلك ؟
فضحك الوزير قائلاً :ياسيدي لم يتبق للشعب في معادلتنا إلا علامة
واحدة ألا وهي القسمة.
قال الملك وماذا تعني ؟
فأجاب الوزير أعنى أنه لن يكون أمامهم سوى أن يخضعوا ويفلسفوا عجزهم بقولهم: هذاما قسمه الله لنا ؟ ربنا على الظالم؟
يعني على جلالتك!! وهذا أمر مؤجل إلى يوم الحساب وهنا
ضحكا معاً ومازالت أصداء ضحكاتهم تملأ الآفاق .
فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم وقد أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لِمن كان مأكله حرام وملبسه حرام ومشربه
حرام فيدعوا فأنى يستجاب له من هنا لجأت الأنظمة لانتهاج نفس السياسة، في تجويع الناس وأكل حقوقهم ليقوموا بمد
أيديهم باللجوء إلى المال الحرام ولو في أبسط صوره وجعل الناس طبقات متباعدة فينشأ الحقد والحسد بين الناس ، فحين يقف أي شعب مكتوف الأيدي ولا يكمل ما بدأه الآخرون من مسيرة نحو التحرر أو التغيير للأفضل مكبلاً بالخوف تارة وبالذل
تارة ومطحون بهمِّ البحث عن لقمة العيش فقط فمالهم إلا أن يظلوا يهمسون فيما بينهم
هذا ماقسمه الله لنا من بيض !!وربنا على الظالم !!
بقلم : محمد فؤاد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
للتعليق