ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ نظام الأسد خازوق بين قوتين ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
19-2-2012
بسم الله الرحمن الرحيم
إن تتابع الأحداث خلال العام الماضي وحتى الآن ، يكشف شيئا فشيئا عن قضايا حقيقية، تتبدى معالمها يوما بعد يوم .
والجلي الواضح أن هذه الأحداث تتلون في تتابعها بألوان مختلفة ، تُوجّه ساسة العالم وفق متغيراتها ، وتتأرجح المواقف الدولية بشكل غريب على نغمة مجرياتها، وقد بدأت الأحداث في سورية على أنها متابعة لمسار الربيع العربي ، ثم بدت محدودة الأبعاد في داخل الحدود ، ومحلية التحرك بين شعب ونظام، واجتذبت - على هذا الأساس - المؤيد والمعارض حسب هذا العمق في اهتزازها ، وتجاذبت - في تأثيرها- دول الجوار ، في مواقف حماسية ، وتعليقات محلية ، تمثلت في الزيارات والمشاورات والعلاقات ومراسم الصداقات، وتتابع التأثير بهذا المفهوم، وضمن هذه الحدود.
فكانت المواقف الأوروبية والغربية الأمريكية ، والردود الروسية تدلي بدلوها تجاوبا أو تنديدا، وفق معايير الحدث الداخلي المحدود ، كالذي جرى في تونس ومصر وليبيا في بدايات التحرك هنا وهناك.
وكنا نعيش تلكم الفترة بنشوة التأثير الفرنسي والألماني والبريطاني ، من خلال مواقف وبيانات ولقاءات ومؤتمرات ، أو نقفز طربا لتصريحات الأخوة الأتراك وهم يسُلّون على خصومنا السيوف العثمانية مهددين متوعدين ، فتطير لزمجراتهم قلوبنا تيها وإعجابا ،
أما الأقربون ، فقد أجمعوا أمرهم ، وحركوا جامعتهم ، ونفضوا عنها الغبار بمؤشرات متتالية ، أفرزت عروضا واقتراحات ، ورفعت المستوى إلى إنذارات وتهديدات ، وتريثت في التصرف إلى ما بعد إرسال مراقبين وبعثات ، وأصدرت شيئا مما يسمى عقوبات ، واعلنت أن الأمر قوبل بالعقوق والإعراض ، وهذا يستلزم التأديب والفراق ، والقطيعة ومنع الإمدادات والأرزاق.
وقد شاءت الأقدار أن تكون سوريا هي نقطة اللقاء ، وساحة المبارزة لمعركة هذا الزمان ، نعم لقد بدأت الأمور تظهر بوضوح ، والأحرف تتشكل كلمات ، والكلمات تظهر كعناوين واضحة لكل من يقرأ المواقف والأحداث ، وبدأ الماضي يفسر الحاضر ، والحاضر يترجم تحالفات ما سلف من الأيام ، وبدأنا ندرك لماذا أصرّ نظام الأب في سوريا على ترك العرب جميعا لصالح العيون الكحيلة بالسواد في إيران ، ولماذا شُغل العراق بحرب أكلت الأخضر واليابس ، ولكم جاءت التحذيرات من امتداد الخط الشيعي في بلاد العرب والمسلمين ، وفي كل بقاع الأرض ، فهي تبذل كل ما تملك كدولة وإمكانيات في تأسيس المراكز الظاهرة والمخفية ، وتجتذب إليها الطاقات من هنا وهناك ، ونحن نتلمس الأعذار ، ونتلطف بالاحتجاج ، ونرد على المنتقدين بالتأويل والتبرير وتحسين الظنون.
ولكن وبعد مضي ما يقارب العام ، بدأ يتبين لنا وللآخرين ، ولكل مراقب مدقق ، ومتأمل ومحقق ، بأن الحدث لا يُفسّر هكذا ، وأن ما يحدث في سوريا ليس كما حدث هنا وهناك ، فلقد شكلت الأحداث المتتالية صورة أوضحت الأمور، وحددت للقضية أبعادها الحقيقية ، وظهر بأن النظام الوحشي في سوريا ليس نظاما مقصودا لذاته ، بل هو الخازوق بين قوتين ، وعلامة الصراع بين فريقين ، ومن تجاوزه انتصر ، ومن تخلف عن العلامة انكسر ،
والقوتان المتبارزتان اللتان بدأت معالمهما تظهر ، وبوارق تجمّعهما تلمع ، ورؤؤس قياداتهما تبرز ، هما قوة الأطماع الفارسية ، تُخرج من تحت الرماد نارها ، وقوة المؤمنين بمختلف طبقاتهم ودرجات صحوتهم وتباينات انضباطهم.
لقد رأينا كيف توافد هؤلاء على سوريا وقاموا من خلال زمن طويل بتحويلها إلى كعبة يحج إليها القوم بكل خرافاتهم ، ويؤسسون في كل بقعة من البلاد مزارات ، ويوثقون مع الناس روابط ، ويشترون العمائم والمؤسسات ، ويحفرون الخنادق والأنفاق ، ثم ينقلون إلى لبنان العمائم السوداء ، ويتخذون من خلالها معاقل سياسية وعسكرية اذاقت الجوار اللبناني كل أنواع الخسف ، وامتدت لتكون معول الهدم في البلاد بالتسلط والمؤامرات.
بعد عام من ثورة سوريا ظهرت سوريا وتبين ما هو المراد ، وتوضحت لكل الأكوان مآرب الشيطان في استماتته في الدفاع عن النظام ، وأدركت قوى الأرض أيُّ معركة بدأت تُدار في هذا البلد المبارك ، وتبين للعالم بأن ما يحدث من خلال سوريا أمر تًكشّف عن ويل تاريخي عميق ، إنها معركة المجوس مع المسلمين في أخطر فصل من فصولها التاريخية ، وتأكد الجميع بأنها ليست معركة إقليمية ، ولا عربية إسرائيلية ، ولا استبداد وديمقراطية ، إنهم أرادوها في سوريا أن تكون شيئا مختلفا، فانزوت على هذا الأساس تركيا ، ولملمت أوراق الجوار ومصالح الجوار، وبدأت ترتب أوراقها على أمر جديد ، وكذلك فعلت أوروبا ، فتوارى خطابها السابق ، وبدات تعيد النظر في موضوعها مع الحدث الداهم ، أما أمريكا فقد أخذت بلملمة تصريحاتها ، فالواقع جديد على سياستها وسياسات العالم ، وتوفَّز في المشرق روسيا والصين ، وبدأت تشير إلى الغرب بإشارات وعبارات ، وتتخذ مواقف أمام هذا التطلع الجديد.
العالم كله يتوقف أمام الحدث ، لأنه يأخذ أبعادا تاريخية عميقة ، وسيحدث تحولات لا يتمكن أحد من فهم ملامحها أو تصور أبعادها ، وشعر العرب بأن الزلزال له امتدادات ، وأن المستقبل يتشكل على نحو جديد ، ومجلس الأمن والأمم المتحدة ، تهتز على جدرانهما بوصلة النظام العالمي، وهنا نقول : إن ما يشعر به الشعب السوري هو استفاقة ارادها الله تعالى ، فوهبها معجزة الثبات أمام الأحداث ، والتوكل الصادق على الله أمام ترددات النصرة وتخاذل العالم ، وأن ما يقع فيه العدو إنما هو سكرة الإندثار التاريخي ، تسوقه إلى حتفه النهائي بغطرسة شوهاء ، وترابط مع روسيا الهوجاء، وأن النظام السوري - الخازوق المنصوب بين الفريقين – ستدوسه اقدام هذا الشعب المؤمن الذي أسلم قلبه لله ، ولم يستعن إلا بالله ، ويأبى العون إلا من الله ، وسيكون الانتصار الحق على القوى الغاشمة ،
وسيشهد العالم قبل هذا تجمع العرب بشكل لا يدركون أبعاده من قبل ، تجمعا يظهر هويتهم الحقيقية الإيمانية دفاعا عن تاريخهم المجيد تكاتفا وتناصرا ، يندفع إليها الجميع بعد ظهور دجل الدجالين وحقد الحاقدين على كل ما هو عربي إسلامي ، أو إسلامي يمتد إلى العرب بصلة ما.
وإن ما أبرزه الأعداء في فضائياتهم ـ من شتم وسبّ وتحقير وتزوير لمعالم هدايتنا ، قرآننا وسنة وصحابة وأمهات المؤمنين ، وما صرّح به أتباعهم في لبنان ، بأن لهم روابط طاعة وولاء مع أربابهم في إيران ، أكثر من روابطهم مع بلدانهم وأوطانهم ـ لمؤشرات باهرات واضحات ، لا تترك مجالا لأصوات التهدئة بيننا وبينهم وترقب التواصل والتفاهم بين دولنا ودولهم ، بحجة الملة الواحدة وإيجابية الاختلاف....
فلم يترك هؤلاء فرصة لذلك إلا وضيعوها ، شهد على هذا القاصي والداني ،
وإن آخر ما يُخشى - أن يقع البعض في شباكه وخداعه - هو محاولة ابتلاعهم للقضية الفلسطينية عن طريق التظاهر بنصرة المقاومة ، ومد يد العون لحركات المقاومة ، نتيجة أخطائنا كعرب ، وتخلينا المؤقت عن هذا الواجب ، وضعف سياسات الحركات الفلسطينية التي يمكن اصطياد بعضها ولكن إلى حين... وقد آن أوان هذا الحين بإذن الله ،
ولا يقولنّ أحد لما هذا التضخيم ، وكيف يسجل الإنسان أحلامه ليقرأها الآخرون ، ولكن إذا علمنا بأن تمزيق مُلك كسرى كان بسبب تمزيقه لكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن ما نسمعه من مكر الأكاسرة اليوم ، وإيذائهم لبيت النبوة ، وتمزيق الأعراض الإيمانية الطاهرة على ألسنة الأبالسة المجوسيين، سيكون سببا في تمزيق ملكهم الجديد ، وغطرستهم الجديدة.
وما تمركُز الأحداث في حمص والخالدية وبابا عمرو ، إلا إشارة واضحة ، وحقيقة باهرة ، بأن سيف الإسلام لازال مسلولا ، وأن ـ ضربَ الخالدِ في خالديته ، وعمرو الصحابي في بابه ـ لبشائر .. وبشائر لنصر قريب ، وهزائم وبلايا لكسرى العصر الجديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
للتعليق